هنا مدخل إلى ينبوع الروح.. لا يمرر غير من تقبل الاختلاف
الثلاثاء، 31 يوليو 2012
عن بيت يخطئه الفلاسفة
قال لي يومًا أحد الذين عرفتهم فلاسفة: إن البيوت تحيا بأنفاسنا، ثمة حبل سري يربطها بنا؛ إذا قطعناه هلكت.
البيوت تحيا بأنفاسنا..
البيوت تحيا بأنفاسنا..
البيوت تحيا بأنفاسنا..
ما له إذن يهدد بالسقوط! أنا دائمًا عائدة إليه، فغيابي عنه بعض الوقت يعبئ رأسي بالهلاوس.. ماذا لو هجرني البيت ورحل؟ ماذا لو أضعت مفتاحه؟ هل سيسمح لي بكسر بابه؟ هل يمكن أن آخذه معي في مشاويري؟ كيف سيحيا بساكن غيري؟ ومن أين سيأتي بساكن غيري؟! السكان القدامى يفرغون فيه حنينهم ويستكملون الهجر براحة ضمير، ولم يعد يأتيه مشترون جدد، أذكر آخر زائر أتاه ظنناه ساكنًا جديدًا، لم يكن كذلك، كان مهندس الحي، أقر على الورق الرسمي أن البيت ميؤوس من تجديده...
يومها أوصت الطبيبة لأمي بعقاقير لضبط الهرمونات والمواظبة على أقراص الكالسيوم.. مدى البقاء.
علقت على المصعد ورقة "حمولة المصعد فردان" وأخرت استضافة أقربائي إلى حين.
طمأنت نفسي بمقولة الفيلسوف...
البيوت تحيا بأنفاسنا..
البيوت تحيا بأنفاسنا..
البيوت تحيا بأنفاسنا..
دومًا بعد عذابات العمل وصخب العلاقات وبعد كل انتكاسة حب لا أفكر في المشي بمحاذاة النيل أستجلب التفاؤل، ولا الجلوس في المقاهي الفاخرة أفرغ الاضطرابات على الورق.. كنت أعود إلى البيت أستدفئ زواياه، رغم خلو الأرض من السجاد كان يدفئني.
تتعجب أمي من الدمعة المتسللة في حضنها.
بعد كل السقطات كنت أعود إليه.. أوصد الباب وأحبس العالم كله بالخارج.
- ماما.. خالتو طلبت زيارتك وقلتلها إنك مسافرة.
- ليه؟!
لن أجيبها..
البيت تتعالى أنّاته.. الحديد يتعرّى في السقف صدئًا، أخال تلك الأرضية كانت طبقة من السقف في يوم من الأيام وأخذت في الهبوط حتى صارت تحت أرجلنا.. ونسينا.. ماذا لو هبطت الطبقة الأخيرة؟ سأبقى في العراء..
البيوت تحيا بأنفاسنا..
البيوت تحيا بأنفاسنا..
البيوت تحيا بأنفاسنا..
كاذبون هم الفلاسفة؛ الطلاء الجديد بعد أقل من عام خلّف قشورًا على الحائط، لم يكن عيبًا من النقاش كما قلت لأمي. تسألني عن اتساع عباءتها، لن أخبرها أن وزنها يتناقص، سأقول إن هذا القماش يتهدل بعد الغسل.
الجميع يخبرونني أن جريدة الإعلانات ملأى بالبيوت المناسبة.. لا أكلف نفسي حتى بالسؤال عن صفاتهم.
أحاول إخفاء الجريدة عن الجميع، لكن البيت يتآمر مع مندوب الجريدة، يفتح له الباب في موعده كل أسبوع، وتصرخ الجدران، مهللة لحضوره.. ومحذرة إياي من السقوط المفاجئ.
أدرك أن الرفاق يتساقطون.. غدرًا أو قدرًا هم يتساقطون.. ويبقى البيت...
تتسع رقعة امتزاجنا.. وأنتظر سقوطي معه.
- ماما.. جبتلك شكولاتة وجبت فازة جديدة للصالون.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق