هنا مدخل إلى ينبوع الروح.. لا يمرر غير من تقبل الاختلاف

الثلاثاء، 18 ديسمبر 2012

إلى الغائب


كثيرًا ما كتبت عن فراغات تتركها كل ليلة بعدما أغلق سماعة الهاتف خلفك..
عن انتظار لقاءات بائسة وخذلان يلي خذلان.. 
عن أخريات يتراقصن حولك طالبات سُكّرك الذكوري..
وعن حنينك الزائف إلى ماضٍ لم يكن، كسرت به مستقبلاً قد يكون.. 
عن تصدّعات تركتها في جدار الروح وزعمت الرحيل..
الليلة لن أكتب عنك.. سأكتب لك.. وسأكتب عن حب كالشمس مضيء، قريب الدفء، بعيد البلوغ، حارقًا للواصلين إليه..

كثيرًا ما بلغت بك حدود الرحيل وعدنا سالمين.. رقصت معك على حافة الحلم ولم نصل.. كنت معك نطل من شرفة الأوجاع على حلمنا القريب البعيد.. وننتشي.

الليلة أنا هنا وحدي.. أستشعر برودة الأمكنة دونك، وأقع من بين فراغات كراكيب الذاكرة.
أتفقّد تفاصيل البيت بعد أن تشبّع بخطواتك التي زارته في مفاجأة وحيدة، ورحلت عنه دون وداع، ودون وعد بزيارة أخرى.
أحتضن كل رداء كان قد شاركني لمساتك لأتحسس ما علق منك به.
صورنا معًا في خلفية كل شيء، وموسيقاك تعلو رغم صرخات المرض والموت والثورات والدم، أنتظر حروفًا تخطها ربما ومض اسمي بين سطورك..
الليلة أعتذر لك بعدما لن يفيد الاعتذار..

لقد كسر الخوف الحب، فكان حبًا باهتًا كما لا يليق بسموّك، كان دائمًا تكسوه رهبة فراق حتمي يتقافز حول رأسي مع كل دعابة جهزتها لك أو كل ضحكة ادخرتها للقائك.. لقد خدشت الغيرة مرآة الوصال، فكان وصلاً زائغًا كشهابٍ وحيد في سوداوات السماء.

الليلة أنا أكتب لك عن قصة خطَّ لها القدر الموت والخلود معًا؛ أو ربما الاحتضار الأبديّ..
سأظل أتنفس تفاصيلك حتى لو مات حضورك.. 
أيها الرجل غير القابل للنسيان! 
أيها الحب غير القابل للجرح! 
سأظل أتابع الأفلام الجديدة وأسمع موسيقاك وأشكو العذابات الصغيرة برفقة صورتك.
سأروي عنك لصديقاتي الجديدات.. سأروي عنك للصغيرات كي يتعلّمن كيف يكون الحب كأكثر مما ينبغي.. سأروي عنك للشوارع التي حق لها أن تحوي خطواتنا معًا.
سأروي عنك لابنتي -إن كان لي في يوم بنت- حين تتطلع إلى الحب، وعلى أبيها أن يتقبل وإلا لن يكون أباها..

حبيبي..
ارحل إلى ما بعد الرحيل، ستظل باقيًا، ولذا فكتابتي عن الفقدان ستظل أفقر مما اعتدت أن تقرأني فيه، فأنفاسك عالقة بالروح كأن حضنك لم يزل يحويني. ولا زالت الطرقات تقول لي: "كنت أخبئكما بالأمس.. كنتما ستزورانني في عيد الميلاد القادم"؛ لن تغيب.

أيها الحسن الغائب عن تفاصيل الوجود، سأبقى أطلبك من الله حتى يسيّر القدر، فيأتيني بك.. أو يهب لي ذاكرة جديدة..
وربما في حياة أخرى تحل روحي في فراشة تمنحك حبوب البقاء، بعدما تحل روحك في زهرة برية تمدني برحيق الحياة.

الجمعة، 2 نوفمبر 2012

رسائل العشوائية المُحْكَمة




بعد سهرة طويلة مع اللا شيء ونوم متخطف ينازع أضغاثًا تأتي دون سبب.. أبدأ صباحًا آخر في البيت الجديد الذي لا يشبه إلا نفسه وراتب أبي، قبل أي شيء أتفحص رسائل الفيس بوك..
·       رسالة من صديقة العمر تذكرني أنها لم تزل مريضة ويفترض بي وجودي معها الآن.. تحكي عن الحضن الذي لا يشبه الأحلام الذي ارتمت فيه حتى لا تموت وحيدة.
·       رسالة من البنت التي تشبهني في كل شيء (صديقة الأثير) تصف لي إحساسي أنا بالأغنية التي سمعتْها هي في الفجر. بهذا التشابه يحق لنا أن نكون أكثر من صديقتي أثير، لكن لا شيء يسير في مداره.
أغسل وجهي على حوض المطبخ وأنا أعد قهوتي الصباحية، أغير ملابسي في الصالون حتى لا أوقظ النائمين، أنتعل حذاء من الموجودين تحت المكتبة وأخرج.. أمشي حتى ميدان رمسيس. حيث كان صامدًا التمثال أقف في انتظار الحافلة.
في الشارع.. الجميلات اللاتي يشبهن راقصات الباليه يهرولن خلف الميكروباص بالكعوب العالية، ملقيات لأنوثتهن على الأرصفة أمام أعين لا ترى إلا نفسها، وإعلان للحى مهترئة تبيع مفاتيح الجنة على الشاشات.
أستقل الحافلة من منتصف الطريق وأجلس كعادة كل يوم على الكرسي الثالث؛ الكرسي الأول والثاني المخصصان لكبار السن عليهما نفس الشابين، وفي آخر الحافلة نفس العاشقين لكن اليوم كلاً منهما على كرسي كغريبين، لم يعد يجمعهما كرسي واحد.. أنصافنا الأخرى دائمًا في غير أماكنها.
تباغتني رسائلك بعد طول غياب، يومين أو أكثر.. لما رأيت اسمك في قائمة الرسائل لم أتذكر سوى أنك عندما جرى ماء وجودك بسيل حبي فاض في رحم أخرى لا تعرفك، لا أتذكر الآن سوى أن طفلي ينمو في رحم أخرى.
في الطريق النيل ملقى على حافة أسفلت لا يعرف بوجودنا فوقه، لا شيء ها هنا في مكانه؛ الكون يتقن الفوضى ويعيد حبكة العشوائية.. لم يعد للمدارات وجود؛ القمر أتى من حيث يفترض به أن يكون ليجتمع بالشمس في زاوية واحدة من السماء، تاركًا هناك أزواجًا من العشاق ينتظرون شهادته على قصص جديدة.
أحاول الوصول إلى العمل على مهل، لكن أجدني مسرعة لأصل في موعدي، فلا أجد أحدًا في المكتب؛ الجميع يجيدون التأخير. ورسالة من مديرة العمل بكلمة السر الجديدة للموقع.
مديرتي ليست الأكفأ، ولا الأقدم، لكنها صديقة قديمة لصاحب العمل.
يوم العمل ينتهي دون أن يعلق منه شيء في الذاكرة، سوى زميلة المكتب التي درست الإخراج المسرحي ولم تجد مكانًا لممارسته، غير اختلاق بعض الطرائف في فترة الراحة وهي تعد لنا الشاي.
ألقي نظرة جديدة على صندوق الرسائل..
·       رسالة من محتال يعيش في القصر الرئاسي، يهنئ فيها شعبًا لا يعرفه، بعيد نصر لم يكن خُط له شارب حين تحقق.
الشوارب أضحت تنبت على وجوه المسوخ.
·       رسالة من موقع إخباري تحوي صورًا لإعصار يضرب الوجه الآخر من الأرض، أسماك القرش في محطات المترو، والبواخر العملاقة ترسو فوق ناطحات السحاب.
قبل أن أنصرف أكتب ورقة بالمهام التي عليّ إنجازها:
-         بعض أدوات منزلية من سوق الكتب بالفجالة.
-         أنتيكات للبيت الجديد من سوق الليمون.
-         حقيبة من الجلد الطبيعي من رصيف العتبة.
أضيف إلى القائمة زجاجة عطر من السوبر ماركت وشريط إسبرين من أي كشك في الطريق.
أعيد ترتيب قائمة المشاوير وأنزل، أركب الميكروباص وأطلب من السائق السير في عكس الاتجاه للخروج من زحام الطريق.

الاثنين، 8 أكتوبر 2012

مع الآيات


بالأمس كنا هنا.. كنت مثقلة بغبار الأمل الساذج وبعض هداياه..
الليلة أنا هنا وحدي، عارية وخفيفة حد التخبط مع كل نسمة..
ليس معي سواكِ يا آية..
ومعي رجل يشبهه في كل تفاصيله، أرافقه فقط لأنه يشبهه.. أبحث عنه فيه، فيخبرني أنه لم يعد هنا.
آية تقول لي ربما لم يكن موجودًا أصلاً..
لا أرغب في تصديق أنه كان وهمًا خططته بيدي، كيتيم رسم أمًا على الحائط وحضنها.
أنا مرهقة جدًا يا آية..
أخبريه أن الأخرى التي تلامسه دون استراق تأتيني في المنامات، تتبسّم لي بوداعة وتقول إنها مع اكتمال القمر تستذأب.. 
كيف أخبره أني لا أريد لبدره التمام؟! أنا لا أجرؤ على إخباره، لا أجرؤ أن أقول له بأن همومه لم تعد تشفع له عندي؛ خشيت أن أقول فيرحل ولا يهديني الأغنية ولا يقبلني بمحاذاة البحر..
أن تنحصر أحلامي في أغنية مهداة وقبلة ولحظات مع البحر، فأنا أتجوف جدًا يا آية.
لقد خذلتك في اختياري الذي انتظرتيه طويلاً.. أرغب في تقديم اعتذار يليق بكِ، ولا أقدر.
أخبريه يا آية كيف أنضح به وأنا معك.. حدثيه عن اتساع الحفر التي خلفتها خطواته الراحلة، وعن قلب مشوّه وأصداء أغنيات كنت قد رتبتها لقائمة الزفاف، عن صلوات أقمتها لأستجديه من القدر ولم تُجَب..
ربما إذا عرف فهم معنى بحيرة الدمع التي تغرقه كلما التقينا.. ربما يعرف معنى احتراقي المتكرر دون سبب، فيعذرني.
يا آية.. أخبريه الحقيقة.. أخبريه أني ميتة، وردّي إليه ما ترك، فكلمة حب (كثيرًا ما استجديتها) وشيء من ندمه، وصورة لنا معًا، أمور- على عظمتها- لن تجبر قلبًا كسره الهجر..
فقط كسورات جديدة ستنسيني إياه؛ أنا أبحث في أوجاعِك علّي أنساه.
يا آية أخرجيني منه ربما أبدأني من جديد، أو حتى أرقص بمحاذاة الأمل.
..........
وعسى بذلك أمنحه فرصة ليحييني من جديد..

لا فائدة.. فأنا أتعطش إلى الخلاص قدر تعطشي إلى الوصول إليه.