هنا مدخل إلى ينبوع الروح.. لا يمرر غير من تقبل الاختلاف

الخميس، 9 أغسطس 2012

التاء مربوطة


منذ عشرين سنة وأنا في كل مناسبة أعيش الحادثة من جديد.. حينما أتى أحدهم بوجه الواعظين وثوب الملائكة.. داعبني قليلا ثم باعد بين قدماي وتلمسني ببساطة.
أبي عقد له ذراعيّ ليكبح تفكيري في الهروب.. قص الرجل شيئًا مني لن ترده الأيام، كفّنه بقطنة وأعطاه لأمي وأخذ منها أجر ما قطع.
كان الجميع يحتفون بالحدث، بينما أفكر.. هل سينمو من جديد ما قصه الرجل؟ أم كيف سأرده بعد أن خذلني أبي؟ كنت في السادسة حينها..
بعدها بسنوات لم أشعر بها، يوم باغتتني الأنوثة، سمعت الخبر يزف بين نساء العائلة.
لم تتذكر إحداهن أن هناك طفولة ملقاة وجب تأبينها، لم يقدمن واجب العزاء، لم يلحظ أحد السرادق المنصوب حولي.
أمي تصرّ أن أنتعل الكعب العالي، وأبي يكلمني عن غطاء الرأس.
في المدرسة يتصيد المدرس أخطائي الإملائية ليضربني، يذكرني بالقاعدة "التاء المربوطة تبقى مربوطة حتى تتصل بضمير" كان يضربني وينتشي.
يأبى نهداي الخروج من قوقعة جسدي حتى لا يطالهما ضرب المدرس.
على سُحُب الإنترنت حملات عارمة لحماية نون النسوة، تحثني على الصراخ لإثبات حقي في فراغ آمن.. لكن على الأرض التاء المربوطة عليها أن تبقى مربوطة حتى تتصل بضمير.
الرجل في الحافلة كان يلتقط صورا لساقيّ.. لا أستطيع الرفض؛ التاء مربوطة، كل ما أمكنني فعله هو التشرنق داخل بنطال يكبرني بقياسين.
في مكتب الصرافة يسألني الموظف كل مرة عن بيانات خاصة، يقول إنها ضرورية لاستكمال الورق.. الاسم.. السن.. رقم الموبايل.. الحالة الاجتماعية.. وفي النهاية يسألني عن المبلغ المطلوب إيداعه أو سحبه، ثم يتأمل خطواتي بنشوة اعتدتها منذ زمن.
أخرج من المكتب إلى الكوافير.. لطالما أحببت البنت العاملة فيه.. البنت التي تنزع عنا كل ما نأباه ينظر إليها النساء من علٍ.. البنت التي نفر منها الجميع في النهار واسترضاها الرجال في المساء.. كلما زرتها كنت أبكي بين يديها دون أن أبدي لنفسي سببًا.
في المرة الأخيرة طلبت أن تبكي هي، حكت لي أنها أحبت فانتهكت قلبًا وجسدًا.. فباتت توزع بعضًا منها على الرجال.
أخرج من الكوافير مخبئة الكثير مني وأسرع إلى البيت لأعيش جمالي وحدي.
في المصعد أحدهم أهدى نفسه بي؛ أصرخ صرخة مكتومة وأتذكر أن التاء مربوطة.
دخلت البيت وقصصت شعري بنفسي، لم أنتظر حتى أعود إلى البنت التي تنزع ما نأباه.. أخرج بشعر مقصوف، وبنطال أكبر مني، ونهدين مدفونين، ومعي بعض من طمأنينة غائمة.. أدخل ثانية مكتب الصرافة لأختبر الأمر، يسألني الموظف بسرعة:
- اسم العميل؟
- س.. س.. صبري.
- سحب أم إيداع؟

الأحد، 5 أغسطس 2012

ترمي أسنانها للقمر


تمرير المقص في الهواء يقتطع من الرزق.. لعبة الحجلة تجلب الفقر.. السِنّة المكسورة ارميها للشمس فتعوضك بأخرى بيضاء..
في المرة الأولى ارسمي ثلاثة خطوط على الأرض حتى لا يدوم دليل أنوثتك أكثر من ثلاثة أيام.. هن يدركن كم هي مؤلمة أنوثتهن، لماذا إذن يحتفلن بهجرة طفولة إحدانا عنها؟! هل لتقاسم إحدانا الألم معهن؟ لن يخفف موتنا من وجعكن أيتها الغبيات..
شرهن يفرح لقتل الأطفال بدواخلنا.. وأمومتهن توصينا برسم الخطوط الثلاثة.
فضلت لعبة الحجلة على كل الألعاب.. فقط لإثبات حالة الرفض. كثيرًا ما اخترعت احتياجي إلى المقص لأدعي ثلامته وأمرره في الهواء علّه صار قاطعًا.
إذا تخاذل ثبات سنتي نهارًا امتنعت عن الأكل حتى المساء لتقع السِنّة ليلاً فأرميها للقمر.
لكني رسمت الخطوط الثلاثة...
الطفلة داخلي لم تدعني أحلم بالكعب العالي، كانت تشيح بوجهي بعيدًا إذا مررنا بأحد مراكز التجميل.. تلقائيًا كانت ترفض دعوات الحفلات الراقصة بأعذار مصبوبة مسبقًا، أعذار لا تغني من فضول لكنها كانت تنتشر في فراغ خانة الرد.
الطفلة ارتمت عندما داعبها الكبير..
هكذا الأطفال دائمًا يلقون بأجسادهم إيمانًا بأن حضنًا ما سوف يلتقطهم.. ثقةً في خفة أرواحهم.. طمعًا في لحظة يصافحون فيها الطيران.. وحدنا الأطفال نتقن الأمنيات...
عندما داعبني الكبير وارتميت في حضنه لم يفتح لي ذراعي قلبه.. لم يرني.. أو ربما رآني ولم يصدق إنذاري بالحضن.. كذبني وصدق الكبار.. تجمدت مداعباته.. ما للكبار يصغرون؟! وحدهم الكبار يرهبون البسمات...
لم يلتقطني حضنه من الهواء، تركني آخذه ونسقط، فكان الكسر مضاعفًا.. وبرغمه الطفلة لا زالت ترفض أن تكبر.. تقفز الحجلة.. تتضخم داخلي.. تقص الهواء.. تتركني وحدي معبأة بالهجر..
الخصلات البيضاء تتسرب إلى مشاعري، والأسنان تعاود السقوط.. تحت غطاء رأسي تئن الضفيرتين.. أمسح الخطوط الثلاثة فيُعاد رسمهم...
الطفلة تأبى البكاء.. ترفض المساومات على الكِبَر مقابل أن أتوحد معها.. تحترف القوة.. تتضخم.. تقص الهواء.. تحذر الدنيا من أن القسوة قد تحيلنا وحوشًا.. تصفع الدنيا بنصائحها وتنام.. مبتسمة.. ودامعة.
بعدما أوقعني الكبير (أو أوقعته) تركني أتفكك على الأرض، فصرت أخشى لعبة الحجلة وكففت عن قص الهواء، ربما ذبح المقص أمنية عابرة إلى صاحبها..
بيد اصفرار أسناني كان لأني رميتها للقمر، فنبتت أصولها في الظلام.. ربما تلاشي الأمنيات كان لاستهتاري بنصائح الكبار!
الآن أحترف مصادقة الكبار.. لا زلت في طور الطالبة، فالطفلة لم تدعني أتعلم التمثيل مبكرًا.
ولم تزل تستغفلني وتقفز الحجلة وتلهو بالمقص وتلقي بالأسنان للقمر...
ترتوي وحدها بذكرى مداعبة الكبير.. وتتسرب مني إليه.