منذ زمن.. في سنوات عمري الطازجة.. عندما كان أكبر همومي أن أعلِّق إسدال الصلاة على الشماعة دون أن أقف على أطراف أصابعي، كان لي أبٌ شاب، لم ينجبني، لم أحمل اسمه، بل جررنا معًا الاسم نفسه بعد اسمينا.
لم ينتبه يومًا
لكونه أخًا أكبر؛ ترك الأمر لأولياء آخرين. كان يكفيني لبسه ثوب الرفيق؛ حضوره في
حيّز يومياتي كان كافيًا للقاء مخاوف الدنيا بقلب قوي.

وبعد ليالٍ ليست
بالطويلة، جاء أخي يحكي عن أحلام لا تُطال بغير العملات الصعبة، وحيوات لامعة في
القارة المجاورة، من الظلم أن نموت قبل أن نحياها.. حدثني عن عطور لا يذبل عبيرها
وبنات ينبض الدم في وجوههن لسن كبنات شارعنا اللاتي أجهدهن السعي.. وذاك كله لا
يتأتى بغير الدراهم!
ليلتها لوّن
الحجرة ببقع السراب، وبسمة بلهاء كانت تبتلعه ببطء من أمام عيني..
وبعد أيام قلائل
انزلق أخي في بقعة النفط نفسها.. هناك.. على حدود الأرض.
كان الاتفاق على
سنتين من الاغتراب لجمع ثمن الأحلام، غاب سبع سنوات؛ كلما جمع ثمن حلم برق له حلم
جديد.. سبع سنوات سفر كانت كفيلة لتأكل روحه.. حملت وحدي سقف الدنيا في انتظار
عودة عمود البيت..
وحدي أتممت مشوار
التلمذة وخرجت إلى رحلات العمل وتساقط الرفاق واختيار الرجال..

لم يعد يعبأ
بأحلام الحيوات الأخرى والبنات النابضات بالحياة..
سبع سنوات، عاد
بعدها، حينما كان اختلاف الرأي قد أفسد كل قضايا الود..
عاد واستقر في نفس
الحجرة المجاورة.. ولما حلّت الليلة الأولى ورحلت الأضواء لترتاح من صخب البشر،
دققت له على الجدار دقة واحدة، لم ينتبه لها، ربما لم يعد يذكر لعبة الدق على
الجدار. كانت دقة تعني "أنا لسة صاحية.. ما تيجي!"، دقتان "ماما
جاية؛ خلّص التليفون"، ثلاث دقات أو أكثر "برخم عليك بس". لم يذكر
اللعبة أو لم ينتبه لها، لا فرق.
لما هزأ بالفيلم الذي فوّر مشاعري وأسال دمعاتي، سألته إن كان لا يزال يتذكر ولد الطفولة الساقط في بئر الجاز. لم أكن شغوفة برواية الجديد، فقط أردت بعث رفقته من جديد؛ أخبرته أن الولد تزوج من إحدى المتلحفات بالسواد بعدما رفضت أنا أن أخبئ وجهي عن الشمس، فأجاب بأن حجم كحكة شعري الواضح من تحت الحجاب يثير خيال مرضى القلوب، وذاك حرام بالعقل والنقل.

فالفيلم الذي
يفوّر روحي حلال، وموزارت حلال، والأحمر حلال، الضحك رائع كما الكلام المقدس،
وكتبي حلال، ومصادقة مارية جارتنا حلال.
فردَّ بأن القطة
نَجَس وسؤرها نَجَس..
في رحلة البحث عن
وطن.. رأيت أخي الأكبر يصلي الغائب على شهداء اللا شيء، متوضئًا بدم رفاقي، غير
عابئ بنزيفنا.
أوجعني تذكر كم
كنا وحيدتين أنا والساعة في الانتظار!
الساعة التي
أنهكها عدُّ ثواني السنوات السبعة رفعتها من على الحائط، وعلّقت مكانها صورة قديمة
لأخي في عمر اليفوع، ورسمت عليها خط حداد خفيّ لم يره غيري.. وخرجت أرحّب بالضيف
الجديد الدائم.
على فكرة صياغتك الأدبية حلوة قوي ...
ردحذف...
نص جميل .. مؤلم ومؤثر!
.
للأسف فإن بقعة الزيت تكبر .. ولا تزول!
تسلمي ..
ربنا يسامحك
ردحذفعلى فكرة يا ابراهيم.. انت اكتر حد بفرح لاعجابه بكتابتي :)
ردحذفليه كدة يا منامينو؟؟ انا معملتش حاجة
ردحذفاسلوب رائع ومحترف جدا في الكتابة
ردحذفبالتوفيق
أسلوب راق وحساس ومرهف وموهوب
ردحذفاكثر من رائع
ردحذففين زرار اللايك ؟؟ :)
ردحذفحيث الضحكات يمثلها الضغط الثقيل على زر الـ"هـ" على لوحة المفاتيح.
ردحذف:( حسيت بيها جدا و كمان حسيت بمنتهى الحزب
بسم الله ماشاء الله رائعة ... بالتوفيق
البوست جميل جدا
ردحذفهنا اداه بعد ماتركبيها في المدونه اي حد يقدر يعمل شير ولايك ويتويت كمان بسهوله لبوستاتك
http://sharethis.com/publishers/get-sharing-tools
انا تاني مرة اقراها جميل اسلوب راقي تسلمي ♥
ردحذفالساعة التي أنهكها عدُّ ثواني السنوات السبعة رفعتها من على الحائط، وعلّقت مكانها صورة قديمة لأخي في عمر اليفوع، ورسمت عليها خط حداد خفيّ لم يره غيري.. وخرجت أرحّب بالضيف الجديد الدائم.
ردحذفlike
like
like
:)
اول مره اقرالك ,اتمنى ما تكونش الاخيره :)
ردحذفبجد جميل جدا و اتمنى تقولى رايك في مدونتى(أحمر فاقع) يهمنى رايك جدا جدا جدا
باذن الله هدخلها.. بس بعد الشغل عشان اعرف احسها اكتر من غير قرف الشغل وكدة :D
ردحذفوالله خليتيني أعيط , جميل .
ردحذف