عرفت أن الله أحبني يوم أسقطكِ في طريقي إلى الفراغ، شيءٌ ما حثّني على المشي معكِ إلى بيتِك رغم صغري؛ كنت أصغر كثيرًا من أن أحتمل دمعتك، لم أكن أفهم وقتها لغة اللمسات التي خاطبتِني بها، لكني سمعتك للنهاية.
أعترف لكِ يا "غادة" أني أغار ذاك السيل من الفهم المغموس بالإحساس، الذي يتدفق منكِ فوق كل جرح أشكوكِ إياه.
طلبت من الله أن يجري
على لساني كلمات بلون إحساسك، أنا على الطريق، لكني لا زلت أتكسّر أمام أوجاع الصغار وأستعيد ذكرياتي الموجعة أمامهم، فلا أعرف أن أهديهم حيوات كالتي أعيشها كلما مسحتِ لي دمعة، لا أتقن غير الربت
على أكتافهم.. لا أجيد نشر الفراشات مثلِك يا "غادة".
أعرف أن فهمك قد غزله
الوجع، وأنا أخاف الوجع، وأجيد البكاء والشكوى، لا أحتمل نضج الألم داخل قلبي.
يوم أهديتِني مفتاح
تجاربك لأصحح لكِ ما تكتبين لم أصدّق أني صرت المسؤولة عن صحة كتابتك؛ لست أهلاً
لتصحيحك يا "غادة"؛ أنتِ في خيالي الطفلة التي تكبرني بألف عام وتصحح كل
أخطاء الدنيا بكلمات صِدْقها ورقّتها يجلداني..
كيف أصححك وأنتِ
التي يمكنها الرقص فوق شظايا الزجاج المتكسّر، وتحثني على رقص الهيلاهوب ولو داخل
إطار السلك الشائك، والوحيدة التي فهمت جنوني بالمشي حافية رغم امتلاء قدميّ بالشقوق
من رحلات سابقة دون حذاء، ورغم خوفي من شقوق جديدة لن يقوى قلبي على تجاوزها.. تغزل النور وتطمئنني
بأن الله يلقي بالهدايا من نوافذ السجون.
صدّقتك اليوم وأنا أقرؤني في كلماتك.
دائمًا ما أُلبِس
الناس غير ثيابهم وأشكو تعثرهم فيها، وحدكِ يا "غادة" قابلتها عارية وتركتها تختار ثوبها؛ خفت أن ألبسك ثوب أمي
التي تكذِّب الأحلام، أو ثوب أختي التي غابت وتركته ولم تعُد ثانيةً، ولن ألبسك ثوب
صديقتي الضيق، الثياب كلها أضيق منكِ يا "غادة"، وحدك أتيتِ شفافة بثوبك
الخاص.. وحدك تُعلِّمني أين يكون النور، أنتِ المرأة التي أحب كذباتها الصغيرة وهي
تقسم أن هذا الموت الذي أنغمس فيه سيُضحِكُنا غدًا ونحن نرتشف قهوتنا النسائية في
كل الأمكنة.. تقولين هذا وأنتِ لا تدركين نهايةً لموتك.. لكنه اليقين.
ربما لسنا صديقتين
بما يكفي لأنك يا "غادة" تفهمين أكثر مما أحتمل، أتذرع أنا بأني ذات طابع
مهمل للصداقات، وأتذرع بعذابات العمل والوقت الخانق، لكنه الخوف يأخذني منك، أنا أخافك حين ترسمين
أمامي خريطة كذبي على ذاتي وتواجهيني بي.
ولكني مؤمنة بأن
الله يحبني يوم أظْلَم الدنيا وتركك وحدَكِ تبعثين النور، لأسير باتجاهك.